"لقد رأيت الشجرة، لكن الجذور في مكان آخر." (مثل هندي)
إنّ الصورة المهيمنة اليوم حول الثورة السورية والتي يتمّ إغراقنا فيها، سواء عبر أبواق النظام السوري أو عبر القنوات الغربية و العربية "المعادية" له مثل "الجزيرة" وأبواقها في العالم العربي، هي أنّ العالم ينقسم الى فسطاطين لا ثالث لهما:
لديك من جهة "الثوار" وجيشهم الحرّ، تركيا "العثمانية الجديدة" ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي قلب هؤلاء قطر وأميرها، وفي الخلفية هناك الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا وإسرائيل. أما في الجهة المقابلة، فلديك النظام الأسدي في سوريا ومن حوله إيران و"حزب الله" اللبناني، "الممانعين"، وفي الخلفية هناك روسيا والصين و"فيتوهما" في المرصاد.
للوهلة الأولى، فانّ الفيتو الروسي والصيني الذي رفع في مجلس الأمن يؤكّد تلك الرواية. إنها حتماً تلك الوقفة "المنيعة/الممانعة" للتدخل الغربي "الامبريالي" العسكري المفترض في سوريا! لكن حقيقة أشمل وأعمق من هذا التفسير السائد جداً لما يحصل، والذي يساهم الفسطاطان بانتاجه على حدّ سواء، يتبدّى لكل من يريد فهم الأمور على أعمق من ظاهرها. تكمن الحقيقة حتماً، في البحث خلف لعبة المرايا الدائرة اليوم التي تحلو جداً لفروع من اليسار العربي فهلوي جداً الى درجة اليمينية الفظّة (1) والذي يبدو أنّ مهمته تتلخص في "شدّ وجه" "الممانعة" بلغو يساروي. تحلو لعبة المرايا كذلك لتيّارات اليسار الغربي "المعادية للامبريالية" التي لا يجيد أكثرها سوى سياسات الهوية، غير مدركة أنّ محاربة الظلم الفاشي أينما كان كان ومازال جزءاً لا يتجزّأ من مسالة أن تكون يسارياً، وأنّ طلب العدالة من أجل الشعب السوري هو في صلب أن تكون يسارياً. لكنه يبدو أنّه يطيب لكل تلك التيارات بقاء الاستبدادين الايراني والسوري من أجل إعادة انتاج نفسها وخطابها الى ما لا نهاية. فوجود هكذا نظامين "ممانعين" واستبدادين مبرّر لوجود نوع من يسار يتكلّم عن فلسطين فقط من أجل أن لا يتكلّم عن أيّ شيء آخر. (2)
الا أنّه هناك أدلة مادية أيضاً على زيف كلّ تلك الرواية، أوّلها حقيقة أنّ "حزب الله" كما الكيان الصهيوني يصلّيان ليلاً ونهاراً هذه الأيام من أجل أن يخرج الاسد "حيّاً" منمأزقه!(3) فماهي دلالات التقاء اسرائيل و"حزب الله" على دعم النظام السوري من أجل أن يخرج من "ورطته"، كلّ منهما لأسبابه الخاصة؟ الا يثير الريبة بعض الشيء، أنّ يلتقي عدوان لدودان مثل ايران وإسرائيل على بقاء النظام السوري، نحن الذي نفترض مسبقاً أنّ العداء بين هؤلاء مطلق و باقٍ "الى يوم الدين"؟ كيف نفهم التفاهمات الصارخة في العراق -الذي ما يزال محتلاً- بين إمبريالية أميركية وهيمنة إيرانية، والتي جعلت من العراق مستعمرة أميركية بالكامل ونصف مستعمرة ايرانية ثيوقراطية؟ كيف نفهم العلاقات الممتازة بين قادة ليبيا، المستعمرة الجديدة، و ايران التي يبدو أنّه لم يكن لديها مشكلة بأن يحصد قصف "الناتو" أكثر من 60 الف قتيل في بلد عربي -و إسلامي- لتهلّل بالعلاقات الحميمة مع القيادة "الجديدة"هناك (4)؟ كيف نفهم هذا العطف الفجائي للامبريالية الاميركية على الشعب السوري وهي المسؤولة بالأساس عن الجزء الأكبر من المآزق التي تعاني منها الشعوب العربية اليوم- ومنها الشعب السوري- و نقصد بالذات دوام استبداد أنظمة من المحيط حتى الخليج لأكثر من نصف قرن والمرتبط عضوياً بوجود اسرائيل؟ كيف نصدّق أنّ الولايات المتحدة التي تدعم فاشية العسكر المتجددة في مصر بالتعاون مع الاخوان المسلمين، هي نفسها داعية الحرية والديموقراطية من أجل الشعب السوري؟
الحقيقة أنّ في تلك القراءة المهيمنة للسياسة الدولية حول سوريا قدر لا بأس به من اللاعقلانية. إنّه طرح يتغاضى عن اعتبارات المصالح السياسية والاقتصادية للاعبين(5) والحسابات الثورية المعتادة حول العلاقة بين ما يمكن فعله وما يمكن تحقيقه، ليغرق في أحسن الأحوال في خطاب ينظّر في السياسة الدولية من المنظار الأخلاقي؛ و يسبح هذا الخطاب في أسوأ أحواله في نظرة مانوية للعالم مستوحاة من كتابات المحافظين الجدد في عهد بوش الابن، حين تصبح فيها المعركة الأم تقام ضد "محور الشرّ" الذي يضم روسيا والصين، يتمّ فيها الابدال الضمني في خضمّ خطاب يميني سائد(6) تحت مسمى "الليبرالية"، بين روسيا والصين 2011، وصور الاتحاد السوفياتي ستالين كما صين ماوتسي تونغ.
لا نستغرب وجود هذه النظرة عند أبواق النظام بالطبع، فهذه من عدّته الاديولوجية المعروفة؛ لكننا نرى أكثر ما نرى هذه النظرة عند "قيادة الثورة" نفسها، ونعني بذلك هنا أكثر ما نعني "المجلس الوطني السوري" القطري التمويل، التركي التمركز والفرنسي الدعم. فأعضاء هذا المجلس لا يبدو أنهم يمارسون السياسة الثورية من أجل ايصال الثورة السورية وانجاحها الى برّ الامان، بل يتأرجح عملهم اليومي للمراقب العادي بين الكتابة على "فايسبوك" والبهرجات الاعلامية. يصرّ هؤلاء على تبشير الناس الرائعة التي تقتل كلّ يوم واعدين "بقرب الخلاص من النظام المجرم"، من دون الشرح لهم - وهؤلاء الناس هم "سوريا الجديدة"- ما هي الخطوات السياسية التي يعتزمون القيام بها غير تسوّل "عدم رفع" الفيتو الروسي والصيني الى ما لا نهاية... كلّ ذلك بدل أن يصارح من هم في القيادة السياسية شعبهم أن احتمال أن يقمع النظام الثورة الى ما لا نهاية و ينجو بنفسه ممكن جداً اذا ما استمرّت الامور على هذا المنوال ويفتحون نقاشاً جدياً ومن دون قيود حول ما يمكن فعله. وبالرغم انّ المحددات الداخلية هي التي ستقرّر في النهاية طول عمر النظام الذي ينهك كلّ يوم وخصوصاً على المستوى الاقتصادي، يجب الاخذ بعين الاعتبار أن تدهور الاحوال الاقتصادية في سوريا لا يعني حتمية الانهيار السياسي او الفعلي للنظام والذي قد يأخذ وقتاً طويلاً، او أنه قد يحدث شيء مفاجىء وبكل بساطة يغير من إتجاه الامور الحالي سواء كان ذلك لمصلحة النظام او لا. الا أننا بأيّة حال لا نفهم ماذا فعلت القيادة "الثورية" لهذه الناس التي تقتل بأعداد هائلة أطفالاً و نساءاً و شيوخاً في حمص المحاصرة اليوم لانجاح الثورة سياسياً غير التطنيش في حينه عن نقاش العودة الى بعثة عربية لتقصّي الحقائق- و كأنما هناك حقائق بحاجة للتقصي- يترأسها جنرال مجرم حرب سوداني أطال عملها من عمر النظام أكثر فأكثر؟
نقول ذلك الآن ونشير الى قرار تسمية يوم الجمعة "بروسيا تقتل أطفالنا" والتي تتمّ بتصويت "ديموقراطي" على "الفايسبوك"- من غير المفهوم كيف يمكن اعتبار ذلك التصويت على أنّه يمثّل حتى أكثرية السوريين ضد الأسد- خصوصاً أنّ هذا التصويت يتمّ أحياناً كثيرة بشكل موجّه "من فوق" و بتأثير من أطراف سياسية في "المجلس الوطني" وغيره وبعض داعمي المجلس من أهل الخليج العربي. إنّ هكذا تسميات تبدو لنا أنها تعبّر عن خيارات سياسية إنتحارية بالنسبة للحراك الثوري يجب التحدث فيها ومساءلتها قبل فوات الأوان، خصوصاً في ظلّ الوضع السياسي الدولي المريح للنظام السوري حتى اليوم و الذي يبدو أنه استعاد بعضاً من الدفع الداخلي في المرحلة الأخيرة ولو أنّ هذا خاضع للتغيّر دائماً. وهذا النقاش الصريح واجب على كلّ حريص على مصلحة الشعب السوري وتطلعاته بالحرية و الكرامة.
إن أوّل خطوة لفهم ما يحصل تقوم حتماً بالتخلص من وهم - ما تزال تنتجه مدرّعات التفكير الاميركية لنخبها -وهو أنّ روسيا اليوم دولة فاسدة بل "فاشلة"، و نشير هنا الى عادة الشلف في هذا الموضوع والتي تحشر كلمة "مافيات روسية" حين التحدث عن روسيا، لتصوّر أنّ الأخيرة هي "دولة عصابات" اليوم وليست دولة عظمى حديثة تأخذ قراراتها من أجل مصلحتها القومية العليا تماماً كما الولايات المتحدة الأميركية وقد تصيب أو تخطئ في السياسة مثلها مثل الولايات المتحدة أيضاً. إنّ الجواب البسيط على ذلك والعقلاني جداً، هو الاعتراف بأنّه إذا كانت روسيا بوتين لم تعد حتما اليوم إمبراطورية الاتحاد السوفياتي البائدة، الا أنّها لا تزال دولة عظمى -وليست الأعظم بالطبع- ولديها حتماً حساباتها الجيوستراتيجية في أمنها القومي ونفوذها السياسي والاقتصادي في العالم. وكما روسيا كذلك الصين، لنستنتج من كلّ ذلك أنّه من المتوقّع جداً، بل من الطبيعي، أن تحاول روسيا المحافظة على مصالحها في العالم العربي من قواعد عسكرية وفضاءات اقتصادية، والتي أمّنها تقليدياً نظام البعث في سوريا بكونه حليفاً تاريخياً لها، خصوصاً وأنّ سوريا هذه هي آخر موقع لها مباشر في المتوسط.
لكنّ لا! كل ذلك لا يبدو أنه داخل في حسابات "قيادة الثورة". بل أكثر ما نرى هو بعض المجلس الوطني في تفاجئهم الدوري على الاعلام -لا بل في استنكارهم "الاخلاقي" الطابع حصراً وبناء على تحليل خاطىء ينشرونه في الاعلام، من تلك المحاولات الروسية المفهومة جداً لأي شخص عقلاني، بالمحافظة على مصالحها وحتماً ليس إعجاباً بمجازر النظام السوري أو بتبعات موقفهم الذي يجعلهم أقل شعبية في عيون كثير من السوريين المسمّرين على الاعلام الداعم للثورة. أماا الروس وهم الاكثر تأثيراً في مؤسسات النظام السورية الأمنية والعسكرية وارتباطاتها الإقليمية فهم في وضع لا يحسدون عليه. فهم مجبرون في النهاية على دعم نظام يفقد شرعيته الداخلية يوماً بعد يوم، في حين يصعب فيه عليهم أنّ يصدّقوا أنّ انتصار نخبة تريد التخلص من النظام السوري الحالي- وهي نخبة غير مستعدّة لإعطاء أيّة ضمانات حقيقية حول المصالح القومية الروسية- لن يعني سوى اتساعاً للسياسة الأميركية-الأوروبية في المنطقة وانحساراً خانقاً للفضاء الاستراتيجي الروسي. نقول ذلك خصوصاً أنّه ومن كثرة ما تخصص أهل المجلس بشتم الروس والصينيّن، أصبحوا يؤثرون بشدة على الرأي العام الثوري وعلى تنسيقيات الثورة السورية كما عبر شعبويات "الجزيرة" والتي أصبح عندها، وخلال أشهر، حرق الأعلام الروسية والصينية فولكلوراً أسبوعياً. لكن رغم كلّ ذلك يستمرّ خطاب "يا عيب الشوم على روسيا والصين" – ولا شيء غير "عيب الشوم" يزاد على ما يقال في النقاش- في الهيمنة الإعلامية، بدل العمل السياسي الثوري على جلب دعم روسي وصيني للثورة منذ البداية.
يبدو أنه قد أصبح ثابتاً من وجهة النظر الروسية، بعد كل هذا الوقت من قمع النظام - وهناك حقّ على كلّ من ثبّتها في أعين الروس- أنّ بعض ممن في القيادة السياسية للثورة أصبحوا من العدة الغربية بارتباطاتهم و التزاماتهم الإقليمية من قطر الى تركيا. وإلى أن يبدأ العمل من أجل تغيير ذلك، تكون أسباب ذلك مفهومة بعد سبعة أشهر من وجود "المجلس الوطني السوري"، لذلك يُطرح السؤال المركزي هنا: كيف يمكن تقبّل واقع أنّ قيادةً "ثوريةً" يفترض بها جلب كلّ الدعم السياسي الممكن للثورة والتخفيف من عمر النظام بشكله الحالي، لا تملك من الحكمة في التعامل مع مصالح الدولة العظمى الأكثر تأثيراً على توجّهات القيادة السورية الحالية الّا باستعدائها تلك الدولة الى أقصى حدَ؟ ولماذا لم يتم طرح إمكانية أن توفر سوريا ديموقراطية في مرحلة انتقالية غطاءاً حقيقياً لمصالح الروس في المنطقة بشكل جدي؟ (7) هل تلك مجرّد أخطاء سياسية أم يفسّرها ارتباط مادي لجزء من تلك النخب ببعض الأطراف الدولية دون أخرى؟ (8)
الواضحٌ إذاً هنا أنّه ثمة فرق شاسع بين الثوار السلميين على الأرض وبين قيادتهم. هناك ثوار لا طائفيون إجمالاً، يسجّلون بطولات خالدة في وجه قمع دامي وهائل؛ وهناك قيادة أبو ملحم "الثورية" التي لا تعمل في السياسة بل تعيش خارج الحسابات العقلانية للسياسة الدولية وقد أضاعت بذلك بوصلة الحراك الثوري (9)، لا بل هي ساهمت بشكل أو بآخر في إطالة عمر النظام الذي يقتل كلّ يوم. يبقى من الواجب هنا التشديد على عدم الخلط في الحكم على الثورة السلمية بشكل ساحق من خلال أداء قيادتها، بل من خلال ما تعبّر عنه التنسيقيات السورية والتي هي الممثل الأقرب إلى ما يريده الشعب السوري المنتفض اليوم، اللهم حينما لا تعيد تلك التنسيقيات إنتاج كلام قيادتها، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان التأثير بالغ القوة لمن يقرّر السياسة التحريرية لقناة "الجزيرة" في تشكيل السرديات السائدة للسياسة الدولية لدى الرأي العام للثورة.
الواضح مثلاً عدم وجود مشكلة فعلية لدى الولايات المتحدة الاميركية في بقاء النظام في سوريا رغم كل ما تقوله مما يعاكس ذلك. (10) إلا أنّ أهل المجلس لا يبنون حساباتهم السياسية على النيات والمصالح التي تضمرها الولايات المتحدة بل على ما تعلنه فقط وهو ذاك الخطاب الإنسانوي الإمبراطوري حول الدعوة إلى الديموقراطية والمعطوفة على حرية الرأسمال. لا مشكلة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل في بقاء النظام في سوريا على الإطلاق. لا بل أنّ احتمال أن تكونا إلى جانب النظام في الحقيقة وتعملان على إفشال الثورة قد يكون قائماً وحقيقياً بشكل فعلي. (11) فنحن لم نر حتى الآن سوى الولايات من المتحدة سوى دعم كلامي، صوري و سينمائي للثورة السورية من دون أي دعم مادي وحقيقي بعد أكثر من 11 شهراً من القتل اليومي (12)، لتنتهي البهلوانيات الكلامية الغربية دائماً بوضع "الحق على الروس". نسأل بعد كل ذلك: في مصلحة من إذا طغيان معزوفة "الغرب واميركا مع الثورة" عند الجميع؟
إنّ جل ما تحققه الولايات المتحدة من خلال موقفها الحالي من الثورة السورية، ولومها كل شيء على الفيتو الروسي والصيني هو استمالة أعداد أكبر من السوريين اليها وتنمية عداء متزايد لقطاعات من الشعب السوري لروسيا والصين. هذا مكسب سياسي لا يستهان به تكتفي به الولايات المتحدة اليوم ولا بأس إذا ذهبت البلاد في حرب أهلية بالنسبة لها، فذلك سيكون أفضل بكثير لمصالحها ومصالح اسرائيل في المنطقة من ديموقراطية في سوريا. فلعبة المرايا التي تدور اليوم مبنية على وهم مركزي: إن مقولة التدخل العسكري الغربي في سوريا.
في الحقيقة، لم تكن هناك يوماً وليس هناك حتى الآن، أية نيّة لتدخلٍ عسكري في سوريا كما حصل في ليبيا (13)، رغم كل البروباغندا والبروباغندا المعادية حول ذلك. الدليل الأكبر على ذلك هو المآل الأخير للسياسة الخارجية اللفظية التركية حول سوريا والتي خفتت بشكل مفاجىء منذ أشهر. ولا ننسى التذكير هنا بالمناسبة، بأنّ تركيا هي الدولة العضو في "الناتو" وهو الذي يصرّح قادته العسكريون مرّة تلو الأخرى ألا نية لديهم في الهجوم على سوريا (14). يعني هذا فيما يعنيه الكثير، حين نحسب أنّ السياسة الخارجية التركية بمعناها الواسع هي امتداد للسياسة الأميركية في المنطقة.
فبين أميركيون يدعمون الأسد من تحت الطاولة و يقولون عكس ذلك بعد أكثر من 7500 شهيد؛ و بين روس و صينيون وإيرانيون يدعمون الأسد على المكشوف ويصرّحون بذلك؛ وبين أهل مجلس وطني سوري مبني برنامج عمل الكثير منهم على الدعاية لكلام الأميركيين المعسول بينما لا يفيد أداؤم سوى بإطالة عمر النظام وتخريب الثورة، يبدو جلياً اليوم أنّ الثوار السوريين منكوبون بنظام مجرم يواجههم يومياً بالقتل وبقيادة ثورية تعمل خارج مفاهيم السياسة بالمرة عن حسن أوعن سوء نية. يبقى القول أنّ أوّل خطوة في العمل السياسي الثوري هي الاعتراف بالحقيقة مهما كانت قاسية. والحقيقة هنا هي أنّ الكوكب بأسره اليوم يقف ضد الثورة السورية الباسلة. بعدها فقط يبدأ العمل السياسي الثوري.
هوامش:
(1) مثال على ذلك هو أداء وموقف قيادة الحزب الشيوعي اللبناني حيال الوضع السوري التي يبدو أنّها شاركت رجل أعمال سوري وهو قدري جميل (900 ألف دولار)، و رجل الأعمال اللبناني ميخائيل عوض (200 ألف دولار) بإنشاء محطة "اليسارية" والذي يترأس مجلس إدارتها…الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني خالد حدادة نفسه!أما آخر ما يمكن قراءته حول موقف الحزب الشيوعي من الذي يحصل في سوريا فهو خطاب أمينه العام الذي صرّح مؤخراً في مهرجان خطابي أنّه "كفى حلا أمنيا، لانه لم يستطع ولن يستطيع أن ينقذ سوريا شعباً ووطناً وقضية وموقعاً في مواجهة الاستعمار والامبريالية. الحل لم يعد ممكناً إلا بتقاطع الحركة الشعبية الممثلة بالكثير من الوجوه والهيئات والأحزاب والشخصيات المعارضة الديموقراطية، وليس بمجلس إسطنبول وبرهان غليون، مع الخطط المعلنة للإصلاح، وهذا التقاطع هو وحده الكفيل بأن يدخل سوريا ومعها الكثير في وضع المنطقة في مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية المتنوعةوالعددية."
(2) على الرغم من أهمية وجود حملة مقاطعة ومعاقبة اسرائيل في لبنان ً فانّ الإنشغال الإعلامي المبالغ به حول ذلك إذا ما قورن بتتبع الاستنفار الاعلامي من أجل ضحايا السوريين، لا يبدو أنّه موجود أو بصدد التحوّل نحو إنتاج تيار لبناني يساري خارج اصطفافي14 و 8 آذار يقف مع عدالة القضية السورية. كل ذلك بينما الكتّاب الفلسطينيون أّول من يتضامن مع الشعب السوري في بيانهم الأخير بعنوان "ليس باسمنا ليس باسم فلسطين أيها القتلة."
(3) مع أنّ الأمين العام لحزب الله مصيب في ظاهر نقده للشعارات المرفوعة من قبل جزء من المعارضة في سوريا بقوله "إن الذي يريد حقن الدماء، الحريص على الدم السوري، على الشعب السوري، على مستقبل سوريا، لا يقول فات الأوان، لا يذهب إلى حوار بشروط ، "إما يتنحى الرئيس أو لا حوار"، يعني هناك استهداف. الحريص على سوريا يذهب إلى الحوار! " لكنّ الحقيقة هي أن الأمين العام لحزب الله يدافع في خطابه عن القيادة السورية بشكل فاضح و يساهم في البروباغندا للنظام، متجاهلاً كل القمع الذي يحصل و القتل و القصف الممنهج للمدنيين، فيصوّر وكأنه ليس هناك من عمليات قتل و قصف منهجيين للمدنيين في سوريا من قبل النظام طوال الأشهر الأحد عشر الماضية وفي حمص في نفس الوقت الذي كان فيه هذا الأخير يلقي الخطاب. أما بالنسبة لدراسة معمقة للموقف الإسرائيلي من تغيير النظام في سوريا فانظر إلى الدراسة الممتازة التالية هنا بعنوان "الموقف الاسرائيلي حيال الأحداث في سوريا" و التي ترجّح، بشكل مقنع، بأن من مصلحة اسرائيل بقاء النظام السوري.
(4) إيران تحتفي بمقتل حليفها المديد القذافي على أنه" نصر عظيم".
(5) يشرح كيلو موقف روسيا في المقابلة أدناه قائلاً "هناك عامل آخر لا ينتبه له. روسيا هي مورّد الطاقة الرئيسي لأوروبا الغربية، خاصة من الغاز. هناك مشاريع أميركية وأوروبية لبناء مصدر للطاقة، للغاز، من قطر والعراق عبر سوريا إلى أوروبا. إذا حدث هذا وخرجت روسيا من سوريا تستطيع أن تتصوّر أي روسيا ستكون هذه الروسيا. ستكون فعلياً دولة من الدرجة العاشرة. روسيا تدافع الآن عن حالها بسوريا وعلينا نحن الآن أن لا نضعها في الزاوية."
(6) أكثر ما يسود هذا الخطاب هو عند كتاب يدافعون عن انتهازية جناح 14 آذار في خصوص الثورة السورية والتي تستخدم خطاباً يزعم دعم الثورة السورية يتراوح ما بين طائفية محرّضة مغرضة وبين علمانية يمينية تحاول الترويج "لسوريا جديدة" لا مشكلة لديها مع الغرب وإسرائيل بالإجمال. المفارقة هنا هي أن النائب أحمد فتفت من "تيار المستقبل" وهواليساري السابق، قال إنه بحسب معلومات لديه من قلب الولايات المتحدة فإنّ اللوبي الاسرائيلي يضغط على الإدارة الأميركية بشكل شديد لإنقاذ الأسد.
(7) في مقابلة حديثة للمعارض السوري المعروف ميشيل كيلو، اعتبر هذا الأخيرأن روسيا تعتبر أنه من الممكن "التفكير بحل "يمني" في سوريا ...ويقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية بإشراف نائب رئيس الجمهورية الذي يتولّى صلاحيات واسعة و بضمانات... و يكون عملها الحقيقي باتجاه نقل الوضع إلى مرحلة انتقالية تخرج البلد من أزمتها...أعتقد أن هذه طريقة مقبولة لايجاد حلول لأزمات مستعصية" و حول موقف روسيا يقول "موسكو طرحت فكرة لم نحتفل بها كثيراً كمعارضة..أنا شخصياً قلت هذا ممكن. أخذت الجامعة العربية الفكرة، قفزت عن المرحلة الثانية من المبادرة التي تقول بمفاوضات بين المعارضة و السلطة على مرحلة انتقالية و حددت نتائج هذه المرحلة الإنتقالية بقرارها-أي الجامعة العربية- ثم أخذت الحلّ "اليمني" الذي هو اقتراح روسي إلى الأمريكان في مجلس الأمن. أنا أعتقد أنّ هذا ما أزعج الروس كلّ هذا الازعاج وأشعرهم أنه هناك من يريد الذهاب الى مجلس الأمن على الطريقة الليبية في كلّ الظروف والأحوال...كان يجب أن يذهب أمين العام الجامعة العربية مع السيد وزير خارجية قطر، إن أراد وزير خارجية قطر، لأن وزير خارجية قطر هو الذي كان ضد زيارته إلى موسكو ويقول لهم "نحن سنقبل الحلّ اليمني و سيعتمد عربياً ونريد أن نتباحث معكم حول شروط تطبيق هذا الحلّ، و الضمانات التي تقدمونها له والتي تطلبونها من المعارضة في سوريا و من المرحلة الانتقالية"...ثم يذهب بعد ذلك وبموافقتهم إلى مجلس الأمن حينذاك لا تكون المسألة مشروع روسي وإعطائه للامريكان…هذه الغلطة الكبيرة التي ارتكبتها الجامعة العربية تحت ضغوط قطرية، أقولها لك بكل صراحة". و يزيد كيلو "المبادرة الروسية هي فعلاً فرصة حقيقية لاعطاء النظام دوراً في مستقبل سورية، ليس ربما لاشخاص وانما النظام، وأنا أعتقد أنّ الروس هم الوحيدين الذين يستطيعون الكلام مع النظام حول مستقبل سوريا بعكس الامريكان، الفرنسيين و الألمان…وكان يجب حتى في حال أن النظام لا يقبل، أن نتحدث معهم،أو أن تتحدث الجامعة العربية معهم حول ها الحل أقلّه لكسب روسيا ولإخراجها من معادلة الصراع باعتبارها دولة تريد أن تدافع عن مركزها في سورية لأنه ربما كان آخر مركز في آسيا...روسيا لها مصلحة كونية في أن تبقى في سوريا...وانا مع أن تعطى روسيا ضمانات وأن يكون لها وجود حقيقي في سوريا".
من هنا واجب التفكير إذا ما كانت تلك الضغوط القطرية نابعة من قطر أو من الولايات المتحدة وماذا يعني ذلك بالنسبة للتصورات الرائجة حول موقف الولايات المتحدة من الثورة السورية في صفوف المعارضين المناصرين للولايات المتحدة، خصوصاً إذا ما أضفنا الى ذلك الموقف الاسرائيلي المعادي للثورة. لقد كتب كيلو مقالاً حول ذلك في جريدة "الشرق الأوسط" بعد مقابلته بأيام بعنوان "هل أخطأت الجامعة العربية؟!"
(8) كتب ميشيل كيلو مقالة ممتازة فاعتبر أنّ "ليس رفض الحوار واتهام كل من يتحدث عنه غير دليل على تخلف الوعي السياسي عامة والديموقراطي خاصة: فالسياسي يعلم أن الحوار ورقة يمكن أن تكون ضاغطة جداً على الخصم، وأنها قد تسبب له من الإرباك ما قد تعجز الوسائل الأخرى عنه، وأن كل صراع قد ينتهي بحوار يمهد لتفاوض وتالياً لحل لا تعينه الرغبات بل موازين القوى، التي يجب على كل ثوري العمل لبنائها بطريقة تجعل نتائج الحوار لصالحه، فيكون رفض الحوار خيانة للثورة، وقبوله خدمة حقيقية لها، على عكس ما يظن بعض الجهلة بأبسط أوليات السياسة. بدلاً من العمل لخلق ميزان قوى كهذا، يضيع ثوار آخر زمن وقتهم في تخوين من يدعو إلى حوار يسهم في بناء ميزان قوى في صالح الشعب، لاعتقادهم أن لا دور لأي حوار في بنائه، وأنه سيكون في جميع أحواله لصالح الخصم، الذي يرفضه مثلهم في الحالة السورية الراهنة، لكنه يستخدمه كورقة يشق بواسطتها الحراك الشعبي، لإيمانه أنه سيجد في ثوار آخر زمن من يعينه على بلوغ هدفه، بقسم البشر إلى مؤيدين للحوار فهم خونة، ورافضين له فهم ثوار، مع أن الواقع كثيراً ما قال عكس ذلك تماماً، وأكد أن التخلي عن مبدأ الحوار قد يعادل في ظروف معينة التخلي عن ورقة السياسة، التي لا تنتصر ثورة إن تخلت عنها. أما الديموقراطي، فهو مع الحوار كمبدأ، لكنه لا يرى منفصلاً عن حاضنته العامة، ويقومه انطلاقاً من فاعليته وجدواه وما يمكن أن يقدمه من خدمة للنضال الشعبي.
(9) يقول ميشيل كيلو في المقابلة المذكورة "أعتقد أن هذا الحراك الشعبي الهائل في سوريا ليس له تعبير سياسي حقيقي...التعبيرات السياسية الحاضرة عن المعارضة هي في جزء منها تعبيرات نشأت في الماضي واشتغلت في الماضي ولاتزال تعيش في الماضي في أساليب عملها و طرقات تفكيرها...غير هذه التعبيرات أربك الحراك السوري إلى درجة الانهاك...بدل أن يمثله ويدافع عنه وأن يأخذه الى سكة السلامة أدخله في متاهات لها أوّل و ليس لها آخر.المجلس الوطني السوري قال إنه يعبر عن الحراك والثورة. أنا لا أعترف له بهذه الصفة ".
(10) نشرت جريدة "السفير" في 24 كانون الاول 2011، وبشكل حصري " محضر لقاء كلينتون بالمجلس الوطني" وهو مثير جداً للاهتمام، حيث قالت هيلاري كلينتون لبرهان غليون و بسمة القضماني إنّ" الولايات المتحدة الأميركية تؤكد لكم أنها تتعاون مع بقية الدبلوماسيات العربية والدولية وتبذل قصارى جهدها وسط التعنت الروسي والصيني وأعود وأؤكد هنا على ضرورة أن يلعب العرب الدور الرئيسي في أي عمل مستقبلي يهدف إلى حماية المدنيين وندرك ان الولايات المتحدة عليها مسؤوليات ولكن مــسؤوليات مشتركة مع بقية الدول، والمجموعة العربية بشكل أساسي.". أما قلّة الكرامة التي تبديها بعض أركان المعارضة السورية، عكس الشعب السوري الجبّار الذي يقاتل من أجل الكرامة، فيتلخص باستجداء خطاب الإمبريالية الانسانوي و الإجادة في خطابها حيث قالت بسمة قضماني لكلينتون في نهاية الاجتماع "نحن نقدّر كل ما تقوم به الولايات المتحدة من جهود ونحن متأكدون تماماً أن المستقبل يحمل لنا علاقات مميزة بين الشعبين وأريد أن أطلب منك كامرأة سورية تخاطب امرأة تشعر بمعاناة الآلاف من النساء في سوريا ممن يغتصبن يومياً أننا لا ننتظر الكثير من مجلس الامن بقدر ما ننتظر من الولايات المتحدة راعية الحرية وحامية الحقوق في العالم." نتساءل هنا لأي درجة يمكن أن نبرر تسوّل شفقة الولايات المتحدة؟
أما إصدارات "مجلس العلاقات الخارجية" وهو عادة معبّر جداً عن الآراء المعروضة في الادارة الاميركية فمعظم كتّابه، ما عدا المحافظين الجدد منهم مثل اليوت ابراهامز، يجمعون على عدم وجود نية تدخل عسكري في سوريا.
(11) نشير هنا الى البدء بانتاج خطاب "وجود القاعدة في سوريا" و تسرّب الارهابيين اليها من قبل أبواق الولايات المتحدة بشكل مفاجىء بعد ظهور الظواهري على "الجزيرة"، رغم أن الأخير كان قد ظهر خلال كل الثورات العربية المختلفة لكنّ الإدارات السياسية للغرب وإعلامها لم تعلّق حينها بشيء على الأمر لا بل نفت تهمة الإرهاب. يبدو أن الثورة السورية وحدها خصصت بهذا "الشرف الإمبراطوري" المستجد وأحدث مثال على ذلك هو افتتاحية في النيويورك تايمز حول أعضاء من القاعدة في العراق في سوريا وافتتاحية طويلة بعد ثلاثة أيام في الجريدة نفسها عن القاعدة و متطرفين إسلاميين في سوريا، ثم ما لبثت أن انتشرت آلاف المقالات التي تتكلم عن ذلك استناداً إلى وجود "مصادر" مجهولة. يبدو أن ذلك جزء من عملية جارية اليوم للتضليل الإعلامي والعمليات الحربية النفسية ضد الثورة السورية من قبل الولايات المتحدة.
(12) ينفي السفير الأميركي روبرت فورد في سوريا في أوّل مقابلة له أية نية لتدخل عسكري ويدعو" لوقف العنف في سوريا" ويذكر "كثرة وجود العصابات المسلحة"! لكنّه يبدو أنه مع المشروع السعودي الأخير في مجلس الأمن و الذي تحوّل الى قرارا للجامعة العربية يستمر مسلسل الانتاج المقصود لقرارات سياسية من قبل المجموعة الخليجية –التي تلعب دور الحاضن السياسي العربي وتحدد للمعارضة السياسية برنامجها السياسي- ستفشّلها روسيا حتماً في مجلس الأمن كجزء من عملية إستمالة الجمهور السوري ضد الروس من جهة، من دون أية نية لانتاج حلّ سياسي- وذلك باسم انتاج حلّ سياسي!- و بذلك يستمّر قمع النظام من دون أيّ رادع.
(13) نختلف هنا مع المعارض ميشيل كيلو والاكثرية السائدة من المعارضين السوريين وغيرهم ممن يعتقد بوجود حقيقي لإمكانية للتدخل العسكري في سوريا.
( 14) لقد نفت قيادة "الناتو" وبشكل متكرّر أي نية أو خطط لتدخل عسكري في سوريا طوال الأشهر السابقة. كما أن الناطقة في بروكسل باسم الحلف الأطلسي قالت إنه "حتى اليوم ليس هناك كلام بالمرة عن دور للناتو بما يتعلق بسوريا. تركيا وهي عضو في حلف "الناتو" قد تلعب دوراً محورياً وهي تعمل مع الولايات المتحدة من أجل انشاء منطقة عازلة من أجل حماية المدنيين." حتى الآن ليس هناك من منطقة عازلة لحماية المدنيين. أما مؤخرأ، فإن الناتو أعلن أنه سيبقى خارج سوريا حتى لو كان هناك تفويض من الامم المتحدة! الواضح أنه ليس هناك من أساس للافتراض أنه هناك أي نية أو احتمال.